يؤكد الأداء المهيمن لدونالد ترامب في الانتخابات التمهيدية في نيو هامبشاير ما بدا واضحاً بالفعل، وهو أن الرئيس السابق يبدو متجهاً نحو نيل ترشيح الحزب الجمهوري للمرة الثالثة على التوالي. لكن الفوز الذي حققه يوم الثلاثاء بفارق 11 نقطة على نيكي هيلي، المنافس الرئيس الوحيد المتبقي للرئيس السابق للحصول على ترشيح الحزب الجمهوري، كان يتضمن بعض الأضواء الحمراء الساطعة بشأن فرص ترامب في الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها في نوفمبر القادم، حيث من المرجح أن يواجه الرئيس جو بايدن مرة أخرى.
باختصار، فإن ترامب قوي وضعيف في نفس الوقت كمرشح للانتخابات العامة. وهو يولد ولاءً شرساً بين قاعدته التي تحمل شعار «لنجعل أميركا عظيمة مرة أخرى»، وقد اصطفت خلفه بالفعل معظم المؤسسة «الجمهورية» في واشنطن. وفي الوقت نفسه، يشعر جزء لا يستهان به من ناخبي الحزب الجمهوري بالقلق من ترشيح ترامب مجدداً، كما رأينا في نتائج نيو هامبشاير. والعديد من الناخبين المستقلين الذين قد يقررون الفائز في نوفمبر يعارضون بشدة ترشيحه.
وبشكل عام، فقد فاز ترامب على هيلي، الحاكمة السابقة لولاية كارولينا الجنوبية، بنسبة 54% مقابل 43%. وعادة ما يُنظر إلى ذلك باعتباره فوزاً قوياً في الانتخابات التمهيدية المفتوحة أي منافسة لا تتضمن شاغل المنصب الحالي. ويقول «كريس جالديري»، أستاذ العلوم السياسية بكلية سانت أنسيلم في مانشستر، نيو هامبشاير: «قد تقول: واو، هذا شخص يحظى بتأييد جزء كبير من الحزب». لكن ترامب، من نواحٍ عديدة، «يرشح نفسه كرئيس شبه حالي يسعى لولاية أخرى»، حسبما يضيف البروفيسور جالديري، وهو ما يلقي النتائج في ضوء مختلف.
وباعتبارها ولاية تمثل ساحة معركة، تحمل نيو هامبشاير في بعض النواحي تقديراً جيداً للناخبين الوطنيين. وفي هذا السياق، أظهرت استطلاعات الرأي ضعف ترامب بين هؤلاء الذين يصنفون أنفسهم بالمستقلين، والذين شكلوا 44% من الناخبين الذين أدلوا بأصواتهم في الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري يوم الثلاثاء. وقد فازت هيلي بنسبة 58% من تلك المجموعة وتغلبت على ترامب بين خريجي الجامعات بنسبة 56% إلى 42%.
ومع ذلك، فقد تفوق ترامب على هيلي بين فئتين من التركيبة السكانية الرئيسة: النساء (51% إلى 47%) والناخبين في الضواحي (55% إلى 42%). ويُنظر إلى الناخبات في الضواحي على أنهن يشكلن شريحة ديموغرافية حاسمة في ساحة المعركة وهي مجموعة يمكن أن ترجح كفة انتخابات نوفمبر.
يقول «دانتي سكالا»، أستاذ العلوم السياسية في جامعة نيو هامبشاير: «ما كان على ترامب فعله في بعض النواحي كان بسيطاً: إخراج المحافظين للتصويت». واستطرد: «هيلي هي مَن كان يحاول ربط هذا التحالف الغريب من الناخبين الذين ليس لديهم الكثير من القواسم المشتركة». وضم هذا التحالف بعض «الديمقراطيين» الذين أعادوا تسجيل أنفسهم كجمهوريين للتصويت لها، فضلاً عن الناخبين المسجلين على أنهم «غير معلنين» وكلاهما حركتان قانونيتان، ولكنهما لا تشكلان قاعدة دعم كبيرة بالقدر الكافي للفوز في الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري.
وبالنسبة لبايدن أيضاً، فقد انطوت نتائج يوم الثلاثاء على بعض الإيجابيات. فقد فاز الرئيس في الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي بسهولة كمرشح مدون على بطاقة التصويت، بعد أن اختارت لجنة الحزب تخطي نيو هامبشاير وجعل ساوث كارولينا أول مسابقة ترشيح رسمية لها. لم يقم بايدن بحملته هنا، لكن النشطاء الديمقراطيين نظموا حملةً قوية. وتغلب الرئيس على عضو مجلس النواب «دين فيليبس»، من ولاية مينيسوتا، بنسبة 54% مقابل 19% في الفرز الأولي.
لكن نيو هامبشاير كانت لديها بعض العلامات التحذيرية للرئيس، إذ قال نحو 10% ممن صوتوا في الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي إنهم لن يدعموا بايدن إذا كان هو المرشح.
ويواجه الرئيس أيضاً تحديات مستمرة من الجناح الأيسر لحزبه. ففي يوم الثلاثاء، وفي نشاط أقيم في إحدى ضواحي فيرجينيا وركز على الحقوق الإنجابية - وهي قضية قوية بالنسبة للديمقراطيين - قاطع المتظاهرون المعارضون لدعم الولايات المتحدة لإسرائيل في الحرب في غزة الرئيسَ أكثر من 12 مرة، وهم يهتفون «إبادة جماعية يا جو». لكن العرض الرئيس يوم الثلاثاء كان المواجهة بين ترامب وهيلي.
ويستعد فريق بايدن، مشيراً إلى أنه يرى بأن الانتخابات العامة هي بمثابة مباراة مستمرة. ويتولى اثنان من كبار مساعدي بايدن في البيت الأبيض، هما «جين أومالي ديلون» و«مايك دونيلون»، إدارة حملة إعادة انتخاب الرئيس فعلياً. وكانت ديلون هي مَن أدار عرض بايدن الناجح لعام 2020، وكان دونيلون، وهو أحد المطلعين على بايدن وكاتب خطاباته منذ فترة طويلة، مستشاراً رئيسياً آخر للرئيس الحالي في عام 2020.
وفي الوقت الحالي، يتعين على ترامب التركيز على الانتخابات التمهيدية المقبلة، حيث يبدو أنه في موقف قوي. في نيو هامبشاير المستقلة ذات الكثافة السكانية العالية، حصلت هيلي على المنافسة المباشرة التي أرادتها بعد انسحاب حاكم فلوريدا رون ديسانتيس، لكنها ما زالت غير قادرة على إحداث مفاجأة. وبعد خسارتها الغالبيةَ العظمى من الجمهوريين لصالح الرئيس السابق، يبدو طريق هيلي لتحقيق تقدم أكثر صعوبة بكثير.
ومع ذلك، تعهدت هيلي بمواصلة المعركة في ولايتها، كارولينا الجنوبية، حيث شغلت منصب الحاكم، حيث ستعقد هناك الانتخاباتُ التمهيدية للحزب الجمهوري المقبلة في 24 فبراير. وفي خطاب الفوز الذي ألقاه في نيو هامبشاير، لم يفعل ترامب الكثير لإخفاء انزعاجه. وانتقد سفيرتَه السابقة لدى الأمم المتحدة ووصفها بأنها «دجالة»!
إلى متى تستطيع هيلي إبقاء حملتها على قيد الحياة؟ إنه سؤال مفتوح.. ومن المرجح أن يعتمد جوابه على المدة التي ستصمد فيها أموال حملة هيلي، سواء في خزانة الحملة أم في لجنة العمل السياسي العليا التي تدعمها. يقول المؤيدون إن أحد أسباب بقائها لأطول فترة ممكنة هو أنها يمكن أن تتدخل إذا حدث أمر غير متوقع أدى إلى عرقلة محاولة ترامب في وقت متأخر من الدورة. وجدير بالذكر أن الرئيس السابق يواجه 91 تهمةً جنائية في أربع قضايا جنائية.
ووفقاً لاستطلاعات الرأي، فقد قال غالبية الناخبين في نيو هامبشاير، بنسبة 54-42%، إنهم يعتقدون أن ترامب سيكون مناسباً للرئاسة حتى لو أدين بارتكاب جريمة. ومن بين أولئك الذين قالوا إنه لن يكون لائقاً، صوّت 83% لصالح هيلي، بينما صوّت 13% لصالح ترامب.. مما يشير إلى أن جزءاً على الأقل من أنصار الرئيس السابق يمكن أن يغيروا رأيَهم، اعتماداً على ما سيحدث.
ليندا فيلدمان
مدير مكتب صحيفة «كريستيان ساينس مونيتور» في واشنطن
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»